الإصحاح الأول
خمائل الطيب: تفسير نشيد الأنشاد
ص 1، آية 1
1-"نشيد الأنشاد الذي لسليمان"
قد ميز الروح القدس هذا السفر الجليل _ سفر المحبة المتبادلة بين العريس المبارك وعروسه المحبوبة_ بهذا الاسم الجميل "نشيد الأنشاد" فمع أنه توجد في الكتاب المقدس أنشاد وأغاني أخرى_ روحية ومقدسة، مثل أنشاد موسى (خر15،تث32) وداود مرنم إسرائيل الحلو (2صم22)، وحبقوق (حب3) ودبورة (قض5) وكثيرون غيرهم، كما ان سليمان نفسه كانت نشائده ألفا وخمسا (1مل4: 32) إلا ان هذا السفر النفيس هو الأنشودة الفريدة التي فاقت كل تلك الأنشاد، ونسبة هذا النشيد إلى بقية الأنشاد الأخرى كنسبة قدس الأقداس إلى القدس، ولقد دعاه اليهود الأتقياء في العهد القديم بحق "قدس الأقداس" وكما ان قدس الأقداس كان أصغر مكان في بيت الرب إلا أنه كان مكانا فريدا وممتازا، هكذا هذا السفر المقدس الذي مع أنه سفر صغير إلا أنه يدور حول أقدس وأهم موضوع _ أعني محبة العريس المبارك لعروسه والملك الجليل لشعبه، وكما أنه لم يكن ممكنا لأي كان ان يدخل قدس الأقداس، كذلك لا يستطيع ان يدنو من هذا السفر المقدس وينال من البركات المخزونة فيه إلا كل من اتحد بالرب يسوع المسيح رئيس الكهنة العظيم، وبذا صار له حق الدخول إلى الأقداس السماوية حيث دخل هو كسابق لأجلنا "فإذا لنا أيها الأخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع.... و(لنا) كاهن عظيم في بيت الله لنتقدم بقلب صادق...."(عب10: 19-22). ان كل من كان يحاول (في العهد القديم) الدخول إلى قدس الأقداس حيث تابوت العهد كان يموت أمام الرب، وكما مات عزة لأنه مد يده إلى التابوت وأمسكه "فحمي غضب الرب على عزة وضربه هناك لأجل غفلة فمات هناك لدى تابوت الله"(2صم6: 7) هكذا كل نفس غير متجددة تحاول ان تدخل إلى أعماق هذا السفر المقدس بذهنها المظلم لا تنال أية بركة منه بل بالحري تعثر وتضل، وكم من الناس البعيدين عن الله الذين لم تشرق في قلوبهم إنارة إنجيل مجد المسيح، عندما قرأوا في هذا السفر بعقولهم الدنسة وقلوبهم المظلمة قد حولوا نعمة الله الغنية التي فيه إلى الدعارة. نعم ان فيه أشياء عسرة الفهم يحرفها غير العلماء وغير الثابتين لهلاك أنفسهم، أما المؤمنون الحقيقيون فلهم الروح الذي من الله ليعرفوا الأشياء الموهوبة لهم من الله، ولكن الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة (1كو2: 12، 14).
ان مثل هذا السفر كمثل النهر الصافي الذي أودع الله أعماقه أحجارا كريمة ولآلئ ثمينة. يدنو منه الحكيم فيشرب ويرتوي، ثم يدخل إلى أعماق ويستخرج منها اللآلئ والجواهر فيصبح غنيا، ويدنو منه الجاهل فيغرق ويموت "لهؤلاء رائحة موت لموت ولأولئك رائحة حيوة لحيوة"(2كو2: 16).
ليعطينا إلهنا نعمة لكي ندرس هذا السفر بروح الصلاة وبخشوع كلي، ولنخلع أحذيتنا من أرجلنا لان المكان الذي نحن واقفون فيه أرض مقدسة.
وما أعجب ترتيب العناية، فقد وضع هذا السفر بعد سفر الجامعة، حيث "الكل باطل وقبض الريح" ونحن لا نستطيع ان نرتوي من ينبوع الماء الحي الذي في سفر النشيد ما لم يتقرر في نفوسنا ان كل آبار العالم مشققة لا تضبط ماء، وان من يشرب من مائه يعطش أيضا. فالأول (أي سفر الجامعة) يعلن ماهية العالم "باطل وقبض الريح" والثاني يعلن جمل وكمالات ربنا المبارك وعريسنا الحبيب "يسوع المسيح" الذي هو عطية الله لا يعبر عنها.
* * *
وقد اهتم الروح القدس أيضا بذكر اسم كاتب هذا السفر "الذي لسليمان"، ولا ريب في ان سليمان يرمز إلى شخص المسيح "ملك السلام" الذي لا بد ان يملك ملكا مجيدا وحقيقيا، وليس في وسعنا ان ندون هنا النبوات الكثيرة التي تشير بكل وضوح إلى ملك المسيح العتيد، ويكفي ان نشير إلى القليل منها، فقد تنبأ أشعياء (قبل المسيح بنحو700سنة) "لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام. لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر.."(أش9: 6و7) وفي بشارة الملاك لمريم العذراء المطوبة هذا الإعلان الواضح والصريح. "وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيما وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب ولا يكون لملكه نهاية"(لو1: 31-33). وما كان يليق بغير سليمان ان يكتب هذا السفر، لان الله قد أعطاه قلبا حكيما ومميزا حتى أنه لم يكن مثله قبله ولا يقوم بعده نظيره"(1مل3: 12) ومن ذا يوازي سليمان الحقيقي الذي "صار لنا حكمة من الله"(1كو1: 30) "هوذا أعظم من سليمان ههنا"(مت12: 42).
إذا كان المسيح هو
ملك الملوك
ورب الأرباب
فلا عجب ان يكون نشيده
نشيد الأنشاد