ابيماخوس الفرمي الشهيد
نشأته ولد هذا القديس بالفرما أو البلسم شمال شرقي القطر المصري. كان حائكًا مع رفيقيه تادرس وكلليتيلس، وقد اتسم برقة الطبع والهدوء، محبًا لحياة التأمل. كثيرًا ما كان ينطلق إلى البرية في الفرما، مشتاقًا للحياة الرهبانية، لكنه نال إكليل الاستشهاد عوض الحياة الرهبانية. انطلاقه إلى الإسكندرية سمع عن قدوم والي جديد بالإسكندرية يدعى أبيللينوس Apellien أو بولامبيس، جاء بقصد اضطهاد المسيحيين. عرف القديس أن سجون الإسكندرية قد اكتظت بالمسيحيين وأن الوالي يتفنن في تعذيبهم، خاصة ما فعله بعذراء تدعى أتروبي، فقرر أن يذهب بنفسه إلى الإسكندرية ويلتقي بالوالي ليوبخه على تصرفاته الوحشية، وكان ذلك بدافع داخلي إلهي. في الإسكندرية انطلق مباشرة إلى ساحة القضاء، وكان منظره يثير فضول الحاضرين، إذ رأوا شابًا قرويًا بملابسه البسيطة قد ظهرت عليه علامات الإعياء بسبب السفر الطويل. أما الوالي فلم يعطه اهتمامًا بل استهان به، لكن سرعان ما تحول إلى الثورة ضده لما رآه فيه من شجاعة وقوة إقناع، إذ صار يتحدث مدافعًا عن الإيمان والمؤمنين فلفت أنظار الكل إليه. أمر الوالي مساعديه أن يضربوه ليسكتوه، وأن يلقى في السجن بتهمة إهانة الوالي أثناء ممارسته عمله. في السجن التقى القديس أبيماخوس بالمسيحيين المسجونين، فصار يشجعهم ويعزيهم، مذكرًا إياهم بالسعادة الأبدية، الأمر الذي أدركه الوالي في مقابلاته معهم، وإذ عرف الوالي دور هذا القديس بين المسجونين وضع في قلبه أن يذيقه أمّر أنواع العذابات. لقاءه مع الوالي استدعاه الوالي ودخل معه في حوار، فصار القديس يطلب منه أن يترك عبادة الأوثان ويقبل عمل السيد المسيح الخلاصي، أما الوالي فكان يهزأ بالصليب حاسبًا الإيمان به غباوة. أمر الوالي بتعليقه عاريًا لكي يُجلد حتى يتقطع لحمه ويتناثر في الأرض، وتظهر عظامه، أما هو فكان يقول: "طوباكِ يا نفسي إن عُلقت كسيدك"، كما كان يقول بصوت عالٍ: "تشجع يا أبيماخوس"، فما هذه العذابات بجوار آلام المسيح، فإنك بها تدخل الملكوت!". أمر الوالي بعصره بالهنبازين، فخرج من جسده دم سقطت منه نقطة على عيني طفلة عمياء فأبصرت في الحال. عندئذ آمن أهلها بالسيد المسيح وسلموا أنفسهم للاستشهاد، الأمر الذي أثار الوالي جدًا وأمر بقطع رأسه. قُدم القديس للسياف، وكان أبيماخوس متهللاً فرحًا من أجل انتظاره للقاء مع السيد المسيح وجهًا لوجه أما السياف فكان يرتجف، ولم يجسر أن يضرب رأسه، بل طلب من زميله أن يقوم بهذه المهمة، وتكرر الأمر لرابع عشر رجل قام بضرب عنقه. حمل أحد الجنود الجسد ليطرحه بعيدًا، وإذ كان أصم انفتحت أذناه وصار يسمع... وأتى قوم من إدكو وأخذوا جسده. أُقيمت كنيسة باسمه في البرمون حيث نقل جسده إليها، وإن كان اللاتين يرون أن جسده نُقل إلى روما.