+ الراهب القس أوغريس السريانى +
ولد هذا الأب البار فى مدينة السويس من أبوين تقيين خائفى الله فى يوم 10 يناير 1929 وسمياه ابواه باسم عبد المسيح وفى طفولته مرض مرضا شديدا فصلى والده للرب ونذرا انه اذا شُفى سيقدمانه نذيرا لخدمة الرب دون ان يحددا نوع هذا الخدمة . وبهذه النشأة نما هذا الطفل ثم الشاب فى مخافة الرب وحفظ وصاياه وايمان بأعماله الغير مفحوصة ، وبعد قليل بدأت فكرة الرهبنة تظهر امام عينيه وانعكست تلك الاشياقات الداخلية على تصرفاته فى حياته كلها فبدأ يجرب حياة الخلوة فى حجرته لفترات طويلة كما لوحظ عليه عدم رغبته فى كثرة الكلام والمحادثات مع الاخرين ومحبته للصمت والتأمل فى الالهيات .
وعندما استأذن والده فى الذهاب لأحد الأديرة للرهبنة رفض والده مشترطا ان يكمل هو وشقيقه تعليمه فأطاعه حتى حصل على بكالوريوس الهندسة ثم عمل كمهندس ميكانيكا فى اسوان وظل فى عمله حتى انتهى اخوه الأصغر من دراسته وهكذا شعر ان مهمته التى طلبها منه والده قد اكتملت .
وبعدها طلب اجازة لمدة عام من عمله ظل خلاله يتردد على الأديرة إلى أن أستقر على دير السريان حيث وجد راحة نفسية كبيرة فيه وبعدها قرر ترك العمل نهائيا فقام بتقديم استقالته وهكذا أصبح حرا .
وفى عام 1960 توجه إلى مقر دير السريان بالقاهرة وتقابل مع المتنيح الانبا ثاؤفيلس رئيس الدير الذى كلمه عن صعوبة ووعورة الحياة الرهبانية ومشقتها ولكنه كان يجيبه بصوم ملائكى هادئ ووجه يملأه الحياء والخجل معلنا ثقته فى نعمة الله المؤازرة له .
وبعدما تأكد الأسقف الجليل من الرغبة الحقيقية التى تملأ أعماق هذا الشاب المبارك طمأنه بأنه سيصطحبه فى الصباح الباكر إلى الدير وهناك ألبسه ملابس طالب الرهبنة وبعد فترة قصيرة وفى يوم 19 يونيو 1960 قام الانبا ثاؤفيلس بتكريسه راهبا باسم الراهب أوغريس السريانى .
وبعد رهبنته اسند له الدير الكثير من الأعمال مثل الاهتمام بمخزن الدير والمجمع ( مطبخ الدير ) والكنائس فكان يؤدى كل هذه الاعمال بمنتهى الطاعة والاجتهاد والجدية .
وفى سنة 1966 قام الانبا ثاؤفيلس بمنحه درجة الكهنوت وبعدها كان يدقق جدا فى صلاة القداس من حيث الاستعداد ولاحتراس للتناول ودقة عمل القربان وخبزه قبل القداس مباشرة لدرجة انه كان يفضل ان يصلى مع رئيس الدير ومجمع الرهبان ولا يصلى بمفرده وظل هكذا حتى نياحته .
ولقد أحب ابونا أوغريس ومارس حياة النسك والتجرد بمنتهى الدقة وكان صورة حية من رهبان القرون الأولى فقد كانت قلايته تخلو من اى كرسي للجلوس بكل كان جلوسه ونومه دائما على الأرض كذلك لم يرضى ان يسكن فى القلايات الخاصة بالرهبان بل سكن فى القلاية الوحيدة الموجودة بجوار طافوس الدير ( مدفن الرهبان ) حتى يضع الموت امام عينيه دائما وكان لا يتغطى ابدا بأى بطانية بل بشوال من الخيش ولم يعرف اى راهب فى الدير هذا التدبير إلا بعد نياحة ابونا أوغريس حيث كان يرفض دخول اى انسان إلى قلايته ، وكان يطبخ طعامه فى العلب الصفيح القديمة وكان لا يأكل إلا مرة واحدة فى اليوم ولم يغير هذا التدبير ابدا حتى فى اشد اوقات مرضه ، وكان لا يقتنى إلا ثوبا واحدا ولما كان يتمزق كان يخيطه بنفسه ولم يغيره على الاطلاق وكذلك القلنسوة على رأسه كانت واحدة لا تتغير وحذاؤه كان من البلاستيك القديم الذى لم يغيره ايضا ولم يرتدى جوربا فى حياته الرهبانية على الاطلاق والمرة الوحيدة التى لبس فيها الجورب كانت بعد نياحته !!
كذلك عُرف عنه رفضه التام لمقابلة النساء من زوار الدير وكان دائما يمشى وهو ناظر إلى الأرض حتى لا يرى احدا من الزوار ولم يكن يسلم مطلقا على اى زائر وهو فى طريقه من القلاية للكنيسة .
وعندما مرض ذات مرة واراد الاباء ان يحضروا إليه التناول فى القلاية رفض تماما وقال لهم انا الذى أذهب للمسيح ولا يليق أن التناول يأتى إلىّ ( وهذا يدل على توقيره الشديد واحترامه للجسد والدم الاقدسين الذين لربنا يسوع المسيح ) .
ومن العجيب ان نذكر انه لم يذهب إلى اى طبيب مطلقا طوال فترة حياته الرهبانية حتى فى اشد اوقات مرضه وذات مرة اشتد عليه المرض فحضر احد الرهبان الأطباء ليكشف عليه وعندما هم بوضع السماعة على صدره ازاح ابونا اوغريس يده وبقوة ورفض مطلقا الكشف عليه رغم الالحاح الشديد فأستجابوا لرغبته .. وجدير بالذكر انه اصيب بفتق فى فى منطقة البطن ورفض اجاء اى عملية جراحية او أدوية وظل محتملا الالام حتى نياحته .
والغريب انه ذات مرة حدث له خراج فى ضروسه وكان يكبر بشكل كبير حتى ظهر على خده ولما رآه احد الرهبان هكذا خشى عليه وقام بابلاغ رئيس الدير الذى أحضر احد أطباء الاسنان إليه وعبثا حاولوا معه ان يكشف عليه فرفض تماما ولم تنفع محاولاتهم معه وعندما قالوا له ان الامر خطير قال لهم اتركونى يومين فقط والملاك ميخائيل يتصرف فتركوه ومضوا وذهب هو إلى قلايته ومكث بها يومين وبعدها خرج ولم يكن هناك اى أثر للخراج على الاطلاق .